موجز في المال والاستثمار 1 : الاقتصاد السياسي وصناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط وأفريقيا

الاقتصاد السياسي وصناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط وأفريقيا

انهيار قطاع الاستثمار الليبي

في عام 2008، أجرى فريق من جهاز قطر للاستثمار (QIA) زيارة إلى صندوق الثروة السيادية الليبي (المؤسسة الليبية للاستثمار)، الذي كان حديث التأسيس في طرابلس آنذاك، ساعيًا لتحقيق تعاون وإقامة مشاريع مشتركة. واقترح ذلك الفريق إجراء تعاونٍ في مختلف القطاعات مع تبادل المعرفة والخبرة. غير أن الصندوق الليبي رفض كل مقترحات القطريين.

وبعد أربعة عشر عامًا، بلغت قيمة الصندوق القطري 445 مليار دولار أمريكي بعائد قدره 22% في عام 2021، بينما لم يغير الصندوق الليبي من أسلوبه الأولي وهو ضخ رأس المال المستند إلى النفط والذي يبلغ 67 مليار دولار أمريكي وبعائد سنوي أقل من 0.5% في عام 2021.

وعلى وجه العموم، كان العامان الماضيان، 2020-2021، حافلَيْن بالأعمال والأرباح للعديد من صناديق الاستثمار الخليجية والأفريقية. ففي عام 2021، حقق جهاز الاستثمار العماني (OIA) الذي تبلغ قيمته 17 مليار دولار أمريكي عائدًا قدره 10.3%، ونمت الهيئة العامة للاستثمار في الكويت التي تبلغ قيمتها 580 مليار دولار أمريكي بنسبة 33% في سنتها المالية 2021.

بشكل عام، كان عام 2021 عامًا رائعًا بالنسبة لصناديق الثروة السيادية. فوفقًا للمنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية، ارتفع عدد الصفقات من 316 في عام 2020 إلى 429 في عام 2021، وذلك بقيمة إجمالية تزيد على 71.6 مليار دولار أمريكي، حيث ارتفعت من 67.8 مليار دولار أمريكي في عام 2020. وقد استثمرت هذه الصناديق أكثر من 25 مليار دولار أمريكي في التكنولوجيات الرقمية وحدها، وهي مستمرة في ذلك.

على مدى عدد من السنين، تساءل العديد من المهنيين وخبراء الاستثمار الليبيين والأجانب عن سبب استمرار إخفاق المؤسسة الليبية للاستثمار في تحقيق عوائد إيجابية من مواردها المالية الكثيرة، بل تراجعت القيمة السوقية للصندوق حسب بعض الخبراء إلى ما يقارب 60 مليار دولار أمريكي. الجواب بكل بساطة هو النقص في رأس المال البشري المتاح لدى الكيانات الاستثمارية الليبية مع إبعاد وتهميش أولئك الذين يمتلكون الخبرة والدراية. وبالإضافة إلى ذلك، وفي السنوات الست الماضية، شهدنا صراع الميليشيات القوية والقوى الجهوية الليبية بغية السيطرة على قطاع الاستثمار واكتساب النفوذ فيه على حساب استقلال المؤسسة ونزاهتها ونموها.

على مدى السنوات الست الماضية، وكجزء من اتفاق سياسي على تخصيص حصة من المؤسسات الليبية للمنطقة الجنوبية من ليبيا، كانت المؤسسة الليبية للاستثمار تحت رئاسة السيد علي محمود. وعلى الرغم من أن السيد محمود رجل طيب وبسيط ومتواضع، إلا أنه يفتقر إلى المعرفة السياقية الخاصة بعالم الاستثمار. فلديه نقص واضح في الطلاقة ليس فقط باللغة الإنكليزية، التي يجري بها تنفيذ قدر كبير من أعمال المال والاستثمار في العالم، وإنما لديه نقص واضح في المعرفة بأعمال المال والاستثمار الدوليين. السيد محمود غير مؤهل لمنصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة صندوق الثروة السيادية. وببساطة تامة، إنه غير مدرك لما يحدث في عالم المال والاستثمار.

الشركة الرئيسية التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار، وهي الشركة الليبية للاستثمار الخارجي مع شركاتها التي يبلغ عددها 525 شركة، تقع كلها تحت إدارة السيد موسى عتيق. ولقد تم تعيين السيد عتيق من الجزء الجنوبي من ليبيا حسب الاتفاقات السياسية التي عُقِدَت في البلاد. وهو حديث التعيين. إنه شاب طموح يتمتع بخلفية قانونية تم دفعه عبر الصفوف بسرعة كبيرة من خلال النفوذ السياسي وبمساعدة الميليشيات المحلية. ولكن لسوء الحظ، هو أيضًا يفتقر إلى الخبرة والدراية اللازمتين لإدارة هذه المنظمة الكبيرة والمعقدة. وفي حديثي مع بعض مدراء الاستثمار الخارجي، وصفوا الوضع الحالي للشركة بأنه “فوضوي”، ووصفوا معنويات الموظفين بأنها في أدنى مستوياتها على الإطلاق.

لتقديم لمحة صغيرة عن مدى السوء الذي آلت إليه الأوضاع في قطاع الاستثمار في ليبيا، يمكننا إلقاء نظرة على التعديل الأخير في مجلس إدارة صندوق أفريقيا، وهو أحد أهم صناديق المؤسسة الليبية للاستثمار. فثمة موظف صغير، يعمل بصفة سكرتير مكتب ويحمل شهادة تقنية، تم تعيينه في مجلس الإدارة جنبًا إلى جنب مع كبار المتخصصين المرموقين في الشؤون المالية. وثمة وضع مشابه آخر يتعلق بتعيين موظف مكتب استقبال سابق بأحد الفنادق رئيسًا لمجلس إدارة شركة نفط وغاز كبرى.

 

في رأيي، وفي الوقت الراهن، فإن قطاع الاستثمار الليبي ينهار، وهناك حاجة ماسة وملحّة إلى قيام الحكومة بتعيين فريق عمل من الخبراء المحليين والدوليين ومنحهم تفويضًا لإصلاح هيكل المؤسسة الليبية للاستثمار ورؤيتها واستراتيجيتها المستقبلية بعيدًا عن أي ميليشيا ونفوذ سياسي. صندوق الثروة السيادي الليبي مِلكٌ لكل الليبيين ولكل الأجيال الليبية القادمة وليس لمنطقة أو مجموعة مُعيّنة، لذا يجب ألا تكون المؤسسة الليبية للاستثمار والشركات التابعة لها جزءًا من أي اتفاقيات سياسية أو جهوية. ويجب أن يكون للخبراء والمؤهلين فقط رأيٌ في كيفية إدارة قطاع الاستثمار.

يمكن أن يكون تعيين مدراء أجانب وخبراء دوليين خطوة أولى في عملية الإصلاح، مثلما فعلتْ معظم صناديق الاستثمار الخليجية والأفريقية الناجحة.

عمرو سعيد الخَتّالي

باحث في صناديق الثروة السيادية و الاقتصاد السياسي في افريقيا و الشرق الاوسط

Leave a Comment