التنافس الصيني الأمريكي في منطقة المغرب الكبير
عمرو الختالي
30/09/2025
برزت الصين كأكبر شريك تجاري للمغرب الكبير، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري الثنائي 32 مليار دولار في عام 2024. ويعكس هذا الانخراط الاقتصادي المتنامي الأهمية الاستراتيجية للمنطقة الواقعة عند تقاطع إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط.
يمتلك المغرب الكبير مزايا تنافسية مهمة:
- موقع استراتيجي يربط بين الأسواق العالمية الكبرى.
- قوة عاملة شابة وماهرة قادرة على دعم التوسع الصناعي.
- موارد طبيعية وفيرة تشكل عنصراً أساسياً في سلاسل الإمداد العالمية.
يتطلب توظيف هذه المزايا تعزيز التكامل الإقليمي. فالوحدة بين دول المغرب الكبير من شأنها أن تعزز القوة التفاوضية، وتجذب استثمارات أجنبية متنوعة، وتسرّع من وتيرة التنمية المستدامة. غير أن الانقسامات السياسية المستمرة لا تزال تشكل عائقاً أمام تحقيق هذا الطموح.
ولكي يحقق المغرب الكبير نمواً مستداماً وتقدماً اقتصادياً ملموساً، ينبغي حلّ حالة التنافس الممتدة بين الجزائر والمغرب. إن استمرار هذا الخلاف أعاق التعاون الإقليمي وأضعف الإمكانات الاقتصادية المشتركة. وبالنظر إلى ما يجمع البلدين من قواسم ثقافية وتاريخية واجتماعية عميقة، فلا توجد عوائق بنيوية تحول دون تحويل هذه الروابط إلى فرص اقتصادية متبادلة المنفعة. إن التقارب بين الجزائر والمغرب لن يعزز التجارة والاستثمار الثنائيين فحسب، بل سيكون بمثابة محفّز للتكامل المغاربي الأوسع، مما يعزز موقع المنطقة في الاقتصاد العالمي.
الرؤية السياسية الأساسية: إن تجاوز الخلافات الإقليمية يعد شرطاً أساسياً لتمكين دول المغرب الكبير من التموضع ككتلة اقتصادية متماسكة وذات تأثير، قادرة على الاستفادة من شراكاتها مع الصين والولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية.
النطاق الإقليمي
- عدد السكان الإجمالي (المغرب – الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا، موريتانيا): نحو 105 ملايين نسمة
- الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الجارية، تقديرات 2024): حوالي 550 مليار دولار
ويبرز هذا الثقل الديمغرافي والقاعدة الاقتصادية إمكانات المغرب الكبير كسوق إقليمي، وكجسر يربط بين إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط.
الفرصة الاستراتيجية للولايات المتحدة: يمكن للولايات المتحدة أن تجني فوائد اقتصادية كبيرة إذا ما دعمت بفاعلية مسار التكامل الإقليمي في دول منطقة المغرب الكبير. فالمغرب الكبير الموحد سيُنشئ سوقاً أكبر وأكثر استقراراً للسلع والخدمات الأميركية، ويعزز تنويع سلاسل الإمداد، ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مجالي الطاقة والاقتصاد الرقمي. ومن خلال تعزيز التكامل، يمكن لواشنطن موازنة النفوذ المتنامي للصين، وضمان مزايا تجارية واستراتيجية طويلة الأمد للشركات الأميركية في منطقة تُعد محورية لمسارات التجارة عبر الأطلسي.
تشير قراءة أرقام التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين من جهة، والمغرب الكبير من جهة أخرى، إلى تزايد نفوذ الصين في المنطقة. فبحلول عام 2024، بلغ حجم التجارة بين الصين والمنطقة نحو 32.2 مليار دولار، تصدرتها الجزائر بحوالي 12.5 مليار دولار، تلتها المغرب (9.04 مليارات)، وليبيا (4.75 مليارات)، وتونس (3.0 مليارات)، فيما لم تتوافر أرقام خاصة بموريتانيا.
في المقابل، بلغ إجمالي حجم التجارة بين الولايات المتحدة والمنطقة 17.16 مليار دولار، حيث تصدرت المغرب القائمة بنحو 9.26 مليارات، تلتها الجزائر (3.9 مليارات)، ثم ليبيا وتونس بحوالي 2.0 مليار دولار لكل منهما. ويكشف هذا التحليل السريع لأرقام التبادل التجاري عن حضور صيني متنامٍ ومؤثر في هذه المنطقة.
في عام 2024، بلغ حجم تجارة الصين مع الدول المغاربية ما يقارب ضعف حجم تجارة الولايات المتحدة معها. ويظهر الحضور الاقتصادي لبكين أكثر شمولاً في جميع الدول المغاربية، بينما يظل التبادل التجاري الأميركي متركزاً بشكل كبير في المغرب بفضل اتفاقية التجارة الحرة.
في الوقت الراهن، تمثل المغرب الدولة الوحيدة في منطقة المغرب الكبير التي تربطها بالولايات المتحدة اتفاقية تجارة حرة رسمية، وهو نموذج يمكن توسيعه ليشمل بقية دول المنطقة. وتمتلك الولايات المتحدة ميزة ثقافية مميزة مقارنة بالصين، إذ تحظى بقبول أوسع لدى كل من الرأي العام والمجتمع التجاري. علاوة على ذلك، تبدو القيم السياسية الأميركية أكثر جاذبية في عواصم الرباط والجزائر وتونس وطرابلس ونواكشوط مقارنةً بما تطرحه بكين. غير أنّ الأمر في نهاية المطاف يتعلق بالاقتصاد والاستثمارات. ومن ثمّ، يبقى السؤال الجوهري هو إلى أي مدى تعتبر واشنطن دول منطقة المغرب الكبير جزءاً محورياً من أهدافها الاستراتيجية بعيدة المدى.