ليبيا دولة تسبح في النفط وشعب يغرق في الفقر

Beneath the Black Gold: Libya’s Deepening Poverty Crisis

بقلم: عمرو سعيد الختالي
10/06/2025

بينما ننظر إلى تجارب الدول الناجحة في العالم، تتصدر الدول الإسكندنافية مثل السويد، والنرويج، والدنمارك، وفنلندا قائمة الدول الأكثر استقرارًا وازدهارًا. فما القاسم المشترك بينها؟ الجواب ببساطة: المساواة.

هذه الدول لم تحقق الرخاء بمحض الصدفة، بل بنت مجتمعاتها على أسس العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتقليص الفجوات بين الطبقات. أدركت منذ عقود أن الفقر، والتمييز، والتهميش ليست مجرد مشكلات اجتماعية، بل قنابل موقوتة تهدد وحدة الدولة وسلامها الداخلي، كما هو الحال في ليبيا الآن.

على النقيض، تُظهر الدراسات والتجارب أن الدول التي تعاني من أعلى مستويات عدم المساواة، تكون أكثر عرضة للاضطرابات السياسية، والانقسامات المجتمعية، وفقدان الثقة في المؤسسات، وغياب الاستقرار. وليبيا تُصنّف اليوم كإحدى هذه الدول.

رغم إنتاج ليبيا النفطي وغناها بالثروات المعدنية، إلا أن شعبها يُعد من الشعوب الفقيرة. ووفقًا لأحدث دراسة نشرتها جامعة مصراتة، يعيش قرابة 40% من الليبيين تحت خط الفقر، منهم حوالي 1.9% في فقر مدقع، وأكثر من 30% برواتب تقل عن 2,350 دينار ليبي شهريًا. وتشير دراسة أخرى صادرة عن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلى أن نسبة الفقر ارتفعت إلى 40% في عام 2023.

وفي تحليلي، فإن هذه الأرقام الصادمة تعود إلى أسباب عدة، من أهمها:

ارتفاع الفساد المؤسساتي،

زيادة معدلات التضخم،

انخفاض قيمة الدينار الليبي،

الانقسام السياسي الذي أدى إلى وجود حكومتين في الشرق والغرب، نتيجة الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عقد.

الفقر في ليبيا قضية وطنية لا تعرف الحدود. ووفقًا للدراسات الدولية، فإن المناطق الأكثر فقرًا هي تازربو، ودرنة، وجالو، حيث تصل معدلات الفقر إلى 80% من السكان. وعلى الصعيد الإقليمي، تأتي طرابلس في المرتبة الأولى بنسبة 13.3% من السكان تحت خط الفقر، تليها منطقة خليج سرت بنسبة 4.9%، ثم بنغازي بنسبة 4.8%.

هذه الأرقام مثيرة للقلق، خاصة عندما نتذكر أن ليبيا:

لا يتجاوز عدد سكانها 8 ملايين نسمة، تنتج 1.2 مليون برميل نفط يوميًا، تملك صندوق ثروة سيادي بقيمة 67 مليار دولار، وتستثمر عبر أكثر من 550 شركة في العالم.

إن بناء الدولة الليبية لا يبدأ من النفط أو الأموال، بل من بناء الإنسان. إنسان يشعر بكرامته، يحصل على تعليم جيد، ويجد فرصة عمل تحفظ له كرامته. ولا يتحقق هذا إلا من خلال:

منظومة تعليمية حديثة، تدريب مهني فعّال،واستثمارات استراتيجية – عامة وخاصة – تخلق اقتصادًا متوازنًا وشاملًا.

في النهاية، المساواة ليست مجرد شعار يُرفع، بل رؤية وطنية ومسار عمل واستراتيجية طويلة الأمد. إذا أردنا حقًا تأسيس دولة ليبية حديثة، مستقرة وآمنة، فعلينا أن نبدأ من الإنسان. الإنسان الذي يشعر أن الوطن له، لا أنه حكرٌ على فئة أو جهة أو طبقة معينة، كما حدث على مدى العقود الخمسة الماضية، منذ حكم القذافي وحتى اليوم.

Leave a Comment