اتحاد المغرب الكبير: طموح صعب أم واقع محتمل؟

في عام 1989، اجتمعت الدول الأعضاء في منطقة المغرب الكبير بمدينة مراكش في المغرب، ووقّعت اتفاقًا تاريخيًا يهدف إلى تعزيز التنسيق السياسي والتكامل الاقتصادي. إلا أنه، وبعد ما يقارب أربعة عقود، ما تزال أهداف هذا الاتفاق بعيدة عن التحقيق. فقد دخل الاتفاق في حالة من الجمود نتيجة غياب رؤية استراتيجية موحدة، واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في ليبيا، إضافة إلى النزاع القائم بين الجزائر والمغرب حول قضية الصحراء الغربية، وهو ما أدى إلى غياب كتلة سياسية واقتصادية مغاربية فعّالة.

واليوم، يُعدّ المغرب الكبير إحدى أكثر المناطق تجزئة وانقسامًا في العالم، حيث لا يتجاوز حجم التجارة البينية بين دوله 5٪ من إجمالي حجم التجارة في المنطقة. وعلى الرغم من بلوغ عدد سكانه نحو 115 مليون نسمة، ووصول الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقارب 600 مليار دولار، فإن الإمكانات الاقتصادية الضخمة للمنطقة لا تزال غير مستغلة. وتشير العديد من الدراسات إلى أن الخسائر المالية الناتجة عن فشل تحقيق التكامل الإقليمي تتراوح بين 10 و20 مليار دولار سنويًا، في ظل ضياع فرص في مجالات تعزيز كفاءة التجارة، والتعاون الأمني، وتدفق الاستثمارات، وتوليد فرص العمل، والتنمية الإقليمية، وخاصة في قطاعي الطاقة والبنية التحتية.

ومع ذلك، فإن التطورات الدولية الأخيرة المتعلقة بقضية النزاع المغربي–الجزائري–الصحراء الغربية قد تفتح الباب أمام فرص جديدة للحوار والتعاون. فاستقرار هذا الملف نسبيًا يوفر فرصة لدول المغرب الكبير لإعادة تقييم أولوياتها الإقليمية والسعي نحو تكامل اقتصادي فعّال يعود بالنفع على شعوبها. وإذا ما تم استغلال هذه اللحظة بفعالية، فقد تشكل الأساس لإحياء الكتلة الإقليمية التي طال غيابها، وإطلاق إمكاناتها الاقتصادية والمالية والاستراتيجية الكبيرة.

يمكن للولايات المتحدة وإدارة الرئيس ترامب أن تلعب دورًا محوريًا في إعادة توجيه مسار نمو هذه المنطقة. وإذا نجحت، يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من وحدة هذا التكتل في مواجهة تصاعد النفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني والطموحات العسكرية الروسية في منطقة المغرب الكبير ومنطقة الساحل. فماذا على المحك؟ وما الفوائد للشركات الأميركية والمكاسب الكبرى لمواطني دول المغرب الكبير؟

الطاقة
يمكن أن تلعب الثروات الهيدروكربونية الهائلة في الجزائر وليبيا دورًا مهمًا في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المنطقة. فتواؤم الأنظمة التنظيمية المعقدة وسياسات التجارة والأعمال بين دول المنطقة يمكن أن يعود بفوائد كبيرة على الشركات الأمريكية الراغبة في الاستثمار في المشاريع الكبرى في البتروكيماويات والصناعات الثقيلة والصناعات المعتمدة على الطاقة، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح. إذ تمتلك الشركات الأمريكية فرصة للاستثمار في قطاعي الاستكشاف والإنتاج، وقطع الغيار والمعدات والحفر وتقنيات الغاز الطبيعي المسال، والتقنيات المتطورة في النفط والغاز، وهي مجالات تشهد منافسة قوية مع الشركات الصينية والروسية والأوروبية. كما يمكن أن تكون مشاريع البنية التحتية في مجال الطاقة—مثل مرافق تصدير الغاز والموانئ اللوجستية الكبرى وخطوط الأنابيب المشتركة التي تمر عبر منطقة الساحل إلى المغرب الكبير وأوروبا—مكسبًا للجميع. ولم تستغل بعد الإمكانات الاستراتيجية للمنطقة كمركز رابط بين الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا لتحقيق مكاسب مالية ضخمة، حيث يمكن للمغرب الكبير أن يتموضع كمنصة طاقة مستدامة لأوروبا وأفريقيا.

الزراعة والأمن الغذائي
تشكل الجفاف ونقص المياه تحديات رئيسية عبر معظم دول المنطقة، مما يهدد الأمن الغذائي المستقبلي واحتياجات المياه الصالحة للشرب. وقد تصدرت المغرب المنطقة في التخطيط وبناء أكثر من 25 محطة لتحلية المياه بحلول عام 2030، بطاقة تتجاوز 1.7 مليار متر مكعب للاستخدام البشري والزراعي، فيما تمتلك الجزائر حاليًا 11 محطة تعمل فعليًا. ويمكن للتكامل الإقليمي وحلول المياه المشتركة أن توحّد هذه الجهود بما يحقق وفورات في التكاليف ويعود بالنفع على جميع دول المنطقة. كما يمكن استغلال الموارد المائية الجوفية الهائلة في ليبيا للزراعة واسعة النطاق بالتنسيق مع بقية دول المغرب الكبير، وبما يتوافق مع ميزات كل دولة التنافسية.

الصناعة – البنية التحتية – التصنيع
يمكن للعمالة الماهرة في المغرب وتونس أن تمثل قيمة مضافة للثروات الهيدروكربونية الضخمة في ليبيا والجزائر، خاصة في تطوير مشاريع البنية التحتية اللازمة لتعزيز التجارة والسياحة وحركة العمالة والأفراد المهرة عبر المنطقة. كما أن اعتماد سياسات واستراتيجيات وأجندات مشتركة يمكن أن يؤدي إلى إنشاء طرق وموانئ وشبكات طاقة وسكك حديدية أكبر وأكثر تطورًا. وإذا ما تمت إدارتها بكفاءة، ستكون هذه المشاريع أقل تكلفة وأكثر قدرة على توفير وظائف أفضل، مما يساهم في تحقيق استقرار سياسي واجتماعي أكبر، ويؤثر مباشرة في تقليص الهجرة غير الشرعية والتطرف والمخدرات والإرهاب.

إن إزالة القيود الحدودية وتسهيل حركة الأشخاص ورفع الرسوم الجمركية والضريبية سيؤدي إلى تدفق أكبر للمنتجات وتحقيق نجاح أكبر في التصنيع. ويمكن أن يساهم إنشاء علامة صنع في المغرب الكبير في إعطاء أولوية للمنتجات المحلية داخل المنطقة، خاصة السلع الأساسية مثل الغذاء والمنتجات الزراعية والمنسوجات. كما أن إنشاء معرض سنوي خاص بمنتجات المغرب الكبير، يقام كل عام بالتناوب في عاصمة من عواصم الدول الخمس، يمكن أن يشكّل بداية عملية لإعادة الاندماج الاقتصادي في المنطقة.

الاستقرار السياسي والأمن
يُعد تحقيق الاستقرار السياسي ورفع مستوى الأمن مكسبًا استراتيجيًا مهمًا لمنطقة المغرب الكبير ولصنّاع القرار في أوروبا والولايات المتحدة. فوجود رؤية سياسية موحدة وصوت واحد للمغرب الكبير سيعزز من تأثيره داخل كل من الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فسيعني ذلك الانتقال بعيدًا عن النهج الأحادي في التعامل مع كل دولة من الدول الخمس، والاتجاه نحو التعامل مع كتلة إقليمية موحدة قادرة على التعاون بفعالية مع قيادة القوات الأميركية في أفريقيا (AFRICOM)، وتسهيل تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز مراقبة الحدود، وتنسيق الجهود في مكافحة الإرهاب.

وإذا نجحت هذه الجهود، فمن الممكن مواجهة تهديدات تنظيم القاعدة و”داعش”، إضافة إلى الجماعات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى التي تتحرك شمالًا وتهدد استقرار ليبيا والمغرب والجزائر.

أما بالنسبة لليبيا، فتشكل هذه المرحلة فرصة مهمة؛ إذ إن جبهة مغاربية موحدة سياسيًا يمكن أن تشكل حماية لها من الأطراف الإقليمية التي تسعى إلى إبقاء ليبيا ضعيفة ومنقسمة لخدمة مصالحها الاستراتيجية الخاصة.

وعلى المدى الطويل، فإن إعادة تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية المغاربية ستفضي إلى تعاون سياسي يشبه ما حققته رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والسوق المشتركة لأمريكا الوسطى (CACM). لذلك تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع سياسة مخصصة للمغرب الكبير، بعيدة عن إطار الشرق الأوسط التقليدي، تعكس الهوية الثقافية والسياسية والاجتماعية المميزة لهذه المنطقة.

وفي هذا السياق عُقدت آخر جلسة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بشأن منطقة المغرب الكبير في 4 نوفمبر 2015. ومن الضروري اليوم أن يعيد صانعو السياسات في الولايات المتحدة تقييم الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة ودعم مسار تنميتها الاقتصادية، لما يمكن أن يحققه ذلك من فوائد كبيرة للمصالح الإقليمية والأوروبية والأميركية. 

Leave a Comment