ليبيا – مصر – عمان – البحرين – الإمارات – المملكة العربية السعودية
واصلت منطقة الشرق الأوسط وبعض البلدان الأفريقية زخمها الاستثماري القوي في الأسواق العالمية وبمستوى عالٍ من التنوع في الجغرافيا والصناعة مدعومةً بتوظيف بعض أفضل العقول من آسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. بعض التغييرات التي اعتمدتها صناديق منطقة الخليج الخمسة الكبار Big 5 (السعودية والإمارات وعمان وقطر والكويت)، ولاسيما السعودية، في عام 2023 تتمثل في زيادة التركيز وضخ رأس المال في الأسواق المحلية مع استثمارات كبيرة في جميع القطاعات، في العقارات على وجه الخصوص، بما في ذلك قطاع السياحة وخلق فرص عمل في قطاع الصناعات المتوسطة والكبيرة. ومع وجود الكثير من السيولة النقدية في متناول اليد من أسعار النفط المرتفعة حاليًا، فإن الجميع يسابق الزمن من أجل إنهاء رؤاهم الاقتصادية في الوقت المحدد وبنجاح في خططهم الممتدة من 5 إلى 10 سنوات.
في الآونة الأخيرة، أصدرت حكومة قطر مرسومًا أميريًا للسماح لجهاز قطر للاستثمار بتوجيه الاستثمارات إلى الاقتصاد المحلي لدعم نموه وتطوره.
استثمارات وتصفية استثمارات بمستوىً عالٍ
إن المعدل المرتفع الحالي لاستثمارات الصناديق الخليجية الرئيسية، ولاسيما الإمارات والسعودية، مثير للقلق. فقد سجلت Mubadala الإماراتية إجمالي إيرادات بلغ 29 مليار دولار أمريكي في عام 2022، بانخفاض قدره -3.0% عن عام 2021، وذلك مقارنةً بشريكها السنغافوري الاستراتيجي Temasek، والتي حققت عائدًا بنسبة 5.8% في عام 2022 وعائدًا إجماليًا للمساهمين بنسبة 8% خلال الـ 20 عام الماضية. ومن المهم أن نلاحظ هنا أن عمليات تصفية استثمارات Mubadala في عام 2022 كانت مرتفعة مثل استثماراتها.
لم يكد يمر أسبوع واحد تقريبًا في الأشهر الستة الماضية دون صدور إعلان استثماري ذي شأن من الرياض أو دبي. وعلى الأساس، إذا لم تقم السعودية والإمارات بتبني استراتيجيات استثمارية طويلة الأجل، فقد تؤدي هذه السرعة العالية في نشر رأس المال إلى وقوع أمر كارثي.
بالنسبة لصفقات الاندماج والاستحواذ المستقبلية، ومن أجل تجنب ارتفاع معدل عمليات تصفية الاستثمارات وحالات الفشل، يجب أن تبدأ صناديق الاستثمار في المنطقة العربية والأفريقية بإيلاء اهتمام كبير بمسائل الثقافة التنظيمية في الشركات في عملية اتخاذ القرار.
الاقتصاد السياسي والأمن
لا تزال الحرب الأهلية السودانية مستعرة وهي في شهرها الرابع، مع انتهاك أكثر من 15 اتفاقية لوقف إطلاق النار. سيكون التأثير الأكبر لهذه الحرب على المملكة العربية السعودية ومصر. فعلى الجانب المقابل للمملكة العربية السعودية، يمتلك السودان خطًا ساحليًا طوله أكثر من 800 كيلومترًا على البحر الأحمر وبمسافة بحرية قصيرة تبلغ 320 كيلومترًا عن المملكة العربية السعودية. في رأيي، إذا لم يتم إنهاء هذه الحرب في وقت قريب، فإن هذا الخط الساحلي الطويل يمكن أن يشكّل مشكلة أمن وسلامة كبيرة للسعوديين وخططهم الاستثمارية المستقبلية في منطقة البحر الأحمر، إذ أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) قد وضع خططًا لإنفاق المليارات على تطوير قطاع السياحة في البلاد. وعلى المدى الطويل، ستقوم السعودية بتحويل المليارات من خطط الاستثمار لتعزيز قواتها البحرية والحدودية من أجل حماية هذا الخط الساحلي الطويل. وباختصار، يُعتبر سلام السودان وأمنه جزءًا من استقرار المملكة ونموها الاقتصادي المستقبلي.
نلقي في ما يلي نظرة على بعض أهم الصفقات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:
البحرين – ممتلكات Mumtalakat
يشتري الصندوق أسهم صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) في شركة ماكلارين McLaren لصناعة السيارات مقابل 510.48 مليون دولار أمريكي. تشتمل الصفقة على فريق ماكلارين McLaren للسباق أيضًا.
ليبيا – المؤسسة الليبية للاستثمار
في شهر يونيو من عام 2023، أعلن رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار، السيد علي محمود، أن أرباح المؤسسة المتأتية من 520 شركة في عام 2022 قد بلغت 1.2 مليار دولار أمريكي من أصول تبلغ قيمتها 71 مليار دولار أمريكي.
وفقًا للسيد علي محمود، فقد حققت شركة Tam Oil أرباحًا بقيمة 500 مليون دولار أمريكي، وهو ما يشكّل حوالي 42% من أرباح المؤسسة البالغة 1.2 مليار دولار أمريكي. الكثيرون داخل Tam Oil يعزون هذا النجاح إلى السيد فؤاد الكريكشي، رئيس مجلس إدارتها السابق والذي كان يعمل في شركة ENI Italy سابقًا، والسيد عبد المجيد الشح، الرئيس التنفيذي السابق. كلاهما توليا إدارة الشركة قبل بضع سنوات، وذلك عندما كانت الشركة على شفا الإفلاس، ونجحا في تغيير وضعها جذريًا إلى تحقيق أرباح سنوية. تم استبعاد كليهما من منصبيهما قبل أقل من عام كمكافأة على ما حققاه من نجاح.
أعلن السيد محمود في الاجتماع أن LAFICO، وهي الشركة الرئيسية التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار، قد حققت أرباحًا قدرها 70 مليون دولار أمريكي من 1.7 مليار دولار من الأصول الخاضعة للإدارة.
كشف السيد محمود عن خطط المؤسسة الليبية للاستثمار للقيام باستثمارات في الطاقة المتجددة، ولكن لم يتم تقديم أي تفاصيل.
حققت المؤسسة الليبية للاستثمار الكثير من الاستقرار التنظيمي والإداري في السنوات الماضية. ولكن ما تحتاج إليه المؤسسة في الوقت الحاضر هو رفع مستوى الربحية المتحققة من شركاتها التي يبلغ عددها أكثر من 520 شركة وكذلك تحسين جودة إدارة هذه الشركات. وبدوري، فإنني أدعو المسؤولين في كل من المؤسسة والدولة الليبية إلى التوقف عن التعامل مع هذه المؤسسة على أنها ملك شخصي أو كأنها تابعة لمنطقة معيّنة دون غيرها، وإخراجها من حالة التقوقع في التعيينات، ثم البدء باستقطاب واستخدام الكفاءات والخبرات الليبية الموجودة حاليًا في أمريكا وأوروبا والخليج، ذلك فضلاً عن الكفاءات والخبرات الأجنبية، مثلما فعل العديد من الصناديق السيادية في منطقة الخليج والعالم. من الممكن أن يتحقق هذا الاستقطاب والاستخدام في مجلس استشاري يُعنى بتقديم وإيصال الخبرات والمعلومات من المؤسسات الاستثمارية والمالية في العالم من أجل استخدامها وتطبيقها في ليبيا.
قطر – جهاز قطر للاستثمار
في سعيها لتوجيه المزيد من رأس المال إلى تنمية السوق المحلية، أصدرت الحكومة القطرية مرسوماً تسمح فيه للصندوق بالاستثمار على الصعيد المحلي، وأعلنت عن استثمار 275 مليون دولار أمريكي في بورصة قطر.
أعلن الصندوق عن زيادة الاستثمار في الائتمان الخاص والعام من 10% إلى 20% في الأسواق الناشئة، وخصوصًا في الصين والهند والبرازيل.
بدأ الصندوق مفاوضاتٍ بخصوص شراء حصة قدرها 30% في شركة الفنادق المصرية العملاقة، الشركة القابضة للسياحة والفنادق. تمتلك الشركة فنادق ماريوت القاهرة، وأسوان كاتاراكت، والهرم مينا هاوس، والأقصر وينتر بالاس، والإسكندرية سيسيل، وموفنبيك أسوان، وإلفنتاين أسوان. وتُقدَّر القيمة الإجمالية للصفقة بـ 750 مليون دولار أمريكي.
يُجري جهاز قطر للاستثمار محادثاتٍ للاستحواذ على 45% من أسهم المصرية للاتصالات في شركة فودافون مصر بقيمة تبلغ حوالي 1.2 مليار دولار أمريكي.
يقوم الصندوق باقتحام عالم الرياضة الأمريكي من خلال استثمار 4.05 مليار دولار أمريكي للحصول على حصة قدرها 5% في شركة ضخمة تمتلك فريق Washington Wizards، و Washington Mystics، وملعب رياضي، ومشاريع رياضية أخرى. ولكن لن يحصل الصندوق على مقعد ولن تكون له حقوق تصويت في مجلس الإدارة.
قام الصندوق ومجموعات استثمارية أخرى باستثمار حوالي 1.2 مليار دولار أمريكي في الشركة الكورية لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية Sk On.
قام الصندوق بالاستثمار في الشركة اليابانية Kokusai Electric Corporation، وهي شركة مُصَنِّعة لمعدات أشباه الموصلات.
إلى جانب صندوق Temasek السنغافوري، شارك القطريون في استثمار بقيمة 255 مليون يورو في شركة ITM Isotope Technologies Munich Se الألمانية، وهي شركة تكنولوجيا حيوية في مجال المستحضرات الصيدلانية المشعة.
الإمارات العربية المتحدة – Mubadala
في آسيا، وبعد تعيين الخبير العقاري الكوري Joseph Cha Hoon في عام 2022، واصل الإماراتيون خططهم لتعزيز فرقهم الاستثمارية من خلال تعيين خبير الاستثمار الكوري Seunggu Ahn في منصب مدير إدارة Private Equity Investment.
يخطط الصندوق لاستثمار 30 مليار دولار أمريكي في آسيا. ففي كوريا، يُبدي الإماراتيون اهتمامًا كبيرًا بسوق البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات السحابية، والتي من المتوقع أن تنمو بنسبة 15% في السنوات الخمس المقبلة لتصل مبيعاتها إلى حوالي 1.9 مليار دولار أمريكي.
عمان – هيئة الاستثمار العمانية
على مدى السنوات الخمس المقبلة، يعتزم الصندوق السيادي العماني استثمار 5 مليارات دولار أمريكي في السوق المصرية. هدف الصندوق هو طاقة الرياح، حيث لديه خطة استثمار بمشروع مشترك بقيمة 1 مليار دولار أمريكي لعام 2023. وتحظى محطة الزعفرانة لتوليد الطاقة من الرياح ومحطة جبل الزيت لتوليد الطاقة باهتمام كبير من جانب العمانيين.
تلقّى الصندوق توجيهات من السلطان لإطلاق صندوق جديد بقيمة 5 مليار دولار أمريكي =، وهو “صندوق مستقبل عمان”، بغرض تنمية القطاع الخاص وتعزيز الاقتصاد المحلي تماشيًا مع رؤية السلطنة 2040.
المملكة العربية السعودية – صندوق الاستثمارات العامة (PIF)
في إطار جهودها الرامية للعب دور مهم في سوق السيارات الكهربائية، وبعد استثمارات ضخمة في السيارة الكهربائية الأمريكية LUCID (ملكية 60%)، استثمرت السعودية 5.6 مليار دولار أمريكي في السيارة الكهربائية الصينية الفاخرة HIPhi.
استحوذ الصندوق على 1.07 مليون سهم في شركة Bloom Energy المُصَنِّعة لخلايا وقود الأكسيد الصلب، وزاد حصصه في شركة Electronic Arts الناشرة لألعاب الفيديو إلى 24.81 مليون سهم، وزاد حصصه في شركة الإنترنت Sea ومقرها سنغافورة إلى 239.4 ألف سهم.
زاد صندوق الاستثمارات العامة PIF حصصه في شركة PayPal الأمريكية بنسبة 6.2% وخفض حصته في شركة Visa بنسبة 13.3%.
للحصول على حضور قوي في السوق العالمية لصناعة الأدوية، أطلق الصندوق Lifera بغية التصنيع التجاري للمنتجات الصيدلانية المنقذة للحياة والأدوية الأساسية على نطاق واسع في المملكة. ويهدف الصندوق إلى تحقيق التعاون والشراكة مع كبرى الشركات العالمية.
نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للاقتصاد السعودي في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 3.8% سنويًا – أي ما يعادل 74 مليار دولار أمريكي.
نما القطاع الخاص السعودي غير النفطي في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 5.4% سنويًا – أي ما يعادل 44.8 مليار دولار أمريكي.
استنادًا إلى الأشهر الستة الماضية من الأنشطة التجارية والاستثمارية، فإننا سنشهد المزيد من الاستثمارات الخليجية في الأسواق الآسيوية. وتشير التقديرات إلى أن رأس المال الاستثماري في آسيا سينمو إلى حوالي 10 تريليون دولار أمريكي بحلول نهاية العقد الحالي، ومنه ستكون حصة الاستثمار في الصين من 1 إلى 2 تريليون دولار أمريكي.
عمرو سعيد الخَتّالي
باحث متخصص في صناديق الثروة السيادية والاقتصاد السياسي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا