بقلم: عمرو الختالي باحث في الاقتصاد السياسي و صناديق الثروة السيادية
صدرت عن البنك الدُّوَليّ مؤخرًا قائمة بأكثر الدول من حيث سهولة الاستثمار في أفريقيا والعالم. فمنذ بداية القرن العشرين، أصبحت القارة الأفريقية وجهةً رئيسية للمستثمرين ورجال الأعمال من آسيا وأمريكا، وخصوصًا في مجالات عِدّة، منها القطاعات التقليدية كالزراعة والصناعة والنفط وكذلك القطاعات المتطورة الحديثة في التكنولوجيا. تمتلك أفريقيا أكبر نسبة من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة في العالم، تصل إلى أكثر من 600 مليون هكتار، أي ما يعادل 60% من المجموع العالمي، وكذلك تمتلك مخزونًا هائلًا من الثروة المعدنية الاستراتيجية وشعبًا صغير السن، وهو ما يضمن وفرة العمالة اللازمة للنمو الاقتصادي في العقود القادمة.
تتصدّر القائمة جزيرة موريشيوس التي تحتل المرتبة الثالثة عشر (13) عالميًا والاولى أفريقيًا. ووفقًا للدراسة، فقد وجد هذا البلد الصغير حلولًا لجميع تعقيدات ومشاكل الاستثمار والعمل. لقد حققت هذه الجزيرة نموًا اقتصاديًا سنويًا بنسبة 3.76% في عام 2019. كما نجح هذا البلد الصغير في تحقيق المرتبة الحادية والعشرين (21) عالميًا في توفير الأمن والأمان للسكان الذين يُقدَّر تعدادهم بـ (1.2) مليون نسمة. ويُصَنَّف هذا البلد كأكثر البلدان الأفريقية استقرارًا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أما معدل إجمالي الناتج المحلي فهو اثنا عشر (12) مليار دولار أمريكي في السنة.
بعد موريشيوس، تأتي المغرب لتحتل المرتبة الثانية (2) أفريقيًا والثالثة والخمسين (53) عالميًا بعدما كانت في المرتبة (114) قبل عشر سنوات. تتمتع المغرب بنمو اقتصادي سنوي يبلغ 3.1% وبنمو الطبقة الوسطى إلى 38% من المجموع السكاني مع ارتفاع إجمالي الناتج المحلي إلى (124) مليار دولار أمريكي سنويًا. تحتل المملكة المغربية مكانة مهمة إقليميًا وفي القارة الأفريقية، وخصوصًا في مجالات الزارعة والسياحة والصناعات الخفيفة، وأصبحت مؤخرًا سوقًا مهمة في صناعة وتصدير السيارات وقطع غيارها والآلات والمعدات الكهربائية والأسمدة. وخلال السنوات القادمة، ومع وفرة القوة البشرية والعمال المهرة والمتعلمين ـ تعمل المملكة المغربية على أن تكون مركزًا ماليًا مهمًا في المنطقة.
تأتي كينيا في المركز الثالث أفريقيًا والسادس والخمسين (56) عالميًا. يتمتع الاقتصاد الكيني بنسبة نمو سنوية بين 5-6% وبارتفاع إجمالي الناتج المحلي في عام 2020 إلى تسعين (90) مليار دولار أمريكي مع نمو مبهر في قطاع التكنولوجيا، حيث تصنف كينيا كأحد أهم المراكز لأكبر شركات التكنولوجيا في القارة الأفريقية مع تمركز شركات عالمية في العاصمة مثل شركات Microsoft و IBM و Cisco Systems والعشرات من الشركات الأخرى.
تأتي تونس في المرتبة الرابعة أفريقيًا والثامنة والسبعين (78) عالميًا كأكثر الدول من حيث سهولة الاستثمار والعمل، بالنسبة للأجانب على وجه الخصوص. قوة هذا البلد الصغير تكمن في سكانه الأصغر سنًا على مستوى العالم، وذلك بمتوسط تونسي في الفئة العمرية 18-25 عامًا، ويتمتع بواحدة من أعلى معدلات معرفة القراءة والكتابة في العالم، بنسبة 80%. هذه النسبة تجعل من تونس مقصدًا للكثير من الشركات والمنظمات العالمية التي تبحث عن فرص الاستثمار في أفريقيا مع توفر العمالة المتعلمة والمدربة بالإضافة إلى إتقان اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية. خلال السنوات العشر (10) الماضية، حققت تونس معدل نمو اقتصادي بمقدار 2.64% تقريبًا وإجمالي ناتج محلي بمقدار (38.8) مليار دولار أمريكي في عام 2019. وتعمل تونس على أن تكون في المستقبل مركزًا للعديد من المنظمات الدولية في أفريقيا.
بعد تونس، تأتي زامبيا وتوغو وجزر سيشيل وساحل العاج. جمهورية مصر العربية لم تكن ضمن قائمة العشر (10) من بين الدول الأكثر سهولة في الاستثمار والعمل، لكنها صُنّفت كواحدة من أكبر الأسواق التجارية في القارة الأفريقية مع نيجيريا كأكبر اقتصاد في أفريقيا.
أخفق الليبيون في الـ (45) سنة الماضية في بناء مؤسسات قادرة على التحدي والصمود أمام أقوى الزلازل السياسية وتعاملوا مع مقدّرات البلاد دون صفاء ذهن من حيث تغليب الحكمة والتخطيط الاستراتيجي، إذ مازال أصحاب القرار يرون في صرف مليار دينار ليبي على برنامج زواج حَلًا لإعادة بناء اقتصاد هو في الأصل لم يُبنَ. تتمثل البداية في التخلي عن ثقافة “التبعزيق” والتوجه إلى استثمارات ضخمة في رأس المال البشري وفي البنية الأساسية لتحقيق نجاح في النمو والتنمية.
ليس غريبًا على الكثير من الباحثين والمهتمين بالقارة السمراء غياب دول غنية بالثروات المعدنية والنفط، مثل ليبيا، من هذه الدراسات وحضور دول صغيرة فقيرة في الثروات الاستراتيجية. وبرأيي المتواضع، إن معظم البلدان الناجحة أولت أمور إدارة البلاد إلى الطبقة المتعلمة أكاديميًا والمدربة مهنيًا. فالعامل المشترك في نجاح هذه الدول اقتصاديًا هو استقرارها الاجتماعي وتركيزها وإعطاؤها الأولوية للعلم والتكنولوجيا ووضع خطط استراتيجية أساسها المعرفة والخبرة.
المتابع للأحداث الليبية يستغرب من تركيز الحكومات الليبية على صرف الدخول النفطية ببراعة بعيدًا عن أي محاولة لبناء اقتصاد يعتمد أساسًا على تنويع مصادر الدخل وخفض البطالة وتقليل اعتماد أغلبية الليبيين على الدولة لكسب قوتهم.