بين التقدم الأمريكي والتخلف العربي: حالة ليبيا نموذجًا

بينما يعلن الرئيس الأمريكي عن استثمار 500 مليار دولار في مشروع “ستار غايت” للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي، مع وعد بتوفير أكثر من 100,000 وظيفة علمية على مدار أربع سنوات، تظل ليبيا، مثل العديد من دول المنطقة، غارقة في اقتصاد هش يعاني من الصراعات الداخلية والمليشيات المسلحة. في الوقت الذي يتسابق فيه العالم المتقدم لبناء مستقبل قائم على التقدم العلمي والتكنولوجي، تظل ليبيا أسيرة فوضى عميقة، حيث يتم استنزاف مواردها وثرواتها بشكل عشوائي، وتفتقر لأبسط مقومات الاستقرار.

المفارقات بين القيادات في هذا العصر صارخة. ففي الوقت الذي تبني فيه بعض الدول الكبرى مشاريع ضخمة تساهم في دفع البشرية نحو المستقبل، وتسعى إلى بناء دولها على أسس علمية وصناعية متينة، نجد أن البعض الآخر مشغول بتوسيع نفوذه المحلي، غارق في الصراعات الداخلية بعيدًا عن رؤية تنموية حقيقية.

و في حين تستثمر الدول الكبرى في مشاريع عملاقة مثل “ستار غايت” التي تهدف إلى تعزيز مكانتها التكنولوجية والاقتصادية، لا يزال الاقتصاد الليبي يتدهور بشكل مستمر. المليشيات تسيطر على الحقول النفطية وتمنع تصدير النفط بانتظام، مما يعمق الأزمة الاقتصادية ويزيد من حالة التراجع. في المقابل، تبني الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركات كبرى مثل “أوبن إيه آي” و”سوفت بنك” و”أوراكل”، استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعزز من مكانتها كقوة اقتصادية وعلمية في السباق العالمي نحو المستقبل.

إن الفجوة بين رؤية الدول المتقدمة وما تعيشه بعض الدول العربية تكشف عن أزمة حقيقية في الفكر والسياسات التنموية. أزمة تعمقت بفعل غياب الرؤية المستقبلية وعدم القدرة على اتخاذ خطوات حاسمة نحو التغيير. في ظل هذه الظروف، تبقى الفرص الكبرى لتحقيق التقدم العلمي والاقتصادي بعيدة المنال، ما لم تحدث ثورة حقيقية في الفكر والحكم.

الثورة المطلوبة ليست ثورة تقليدية أو تغيير وجوه في السلطة، بل ثورة فكرية شاملة تعيد تعريف أولوياتنا وتعيد تشكيل مفاهيم الحكم والإدارة. لابد من إسناد الأمور إلى أهلها، أولئك الذين يملكون الرؤية والقدرة على تبني سياسات تنموية مبتكرة، تعتمد على العلم والتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى. لا بد من تجاوز النظرة التقليدية التي تضع القائد في موضع الحاكم المطلق، والاستعاضة عنها بنموذج قيادي يؤمن بتوزيع السلطة على أصحاب الخبرة والكفاءة، ويعزز من المشاركة الفاعلة للشعوب في رسم سياسات بلدانهم.

ما نحتاجه هو تحول جذري في الطريقة التي نتعامل بها مع التحديات: تحول يبدأ بإعادة بناء المؤسسات، وتطوير النظام التعليمي، واستثمار التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة، وصولًا إلى خلق بيئة تشجع على الإبداع والابتكار. هذا النوع من التغيير يتطلب شجاعة سياسية حقيقية، وقدرة على محاسبة الذات والإقرار بأن المستقبل لا يمكن أن يبنى إلا بيد من يملكون القدرة على قيادته، لا من يعيشون في الماضي.

Leave a Comment