عمرو سعيد الختالي
باحث في الاقتصاد السياسي و صناديق الثروة السيادية
تهدف خطة الأمم المتحدة المقترحة لليبيا إلى إصلاح النظام السياسي وإنشاء حكومة جديدة. ومع ذلك، فإنها تكرر الإخفاقات السابقة على أمل تحقيق نتائج مختلفة. وفي حين أن الأزمة الليبية المستمرة تحتاج إلى حل، فإن هذا الاقتراح لا يعالج الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار في البلاد. إن التركيز على الحلول السياسية المؤقتة دون أساس دستوري متين قد يؤدي فقط إلى تعميق الانقسامات داخل ليبيا وإعاقة التقدم الحقيقي.
منذ سقوط نظام القذافي في عام 2011 وحتى الحكومة الحالية المعينة من قبل الأمم المتحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، شهدت ليبيا حالة مستمرة من عدم الاستقرار. تواصل الجماعات المسلحة – التي تحركها وتدعمها أجندات إقليمية أو أيديولوجية – فرض سيطرتها على أجزاء كبيرة من البلاد. وقد أدى هذا الوضع إلى خلق بيئة خارجة عن القانون وغير آمنة، مما ساهم في مزيد من التفتت. بالإضافة إلى الجماعات المسلحة المحلية، أصبحت القوات العسكرية الأجنبية من تركيا وروسيا متورطة في الصراع لتعزيز مصالحها الجيوسياسية. ومع هذه القوات الأجنبية، تدفق المرتزقة إلى ليبيا، مما أدى، في كثير من الحالات، إلى تحالف مواطنين ليبيين مع هذه القوى الأجنبية، وهو ما أسفر في الغالب عن العمل ضد مصالح الشعب الليبي.
لقد فشلت حكومة الوحدة الوطنية الحالية (برئاسة الدبيبة)، التي شكلتها الأمم المتحدة في البداية لإجراء الانتخابات وتوفير الاستقرار، في تحقيق أهدافها، واتبعت نمط الإدارات المؤقتة السابقة. وسرعان ما ظهرت الانقسامات الداخلية، وخصوصاً فيما يتعلق بالميزانية الوطنية والسيطرة على موارد ليبيا، مما كشف عن هشاشة الحكومة واختلالها. وقد أدت هذه الانقسامات إلى شل مؤسسات الحكومة وأسفرت عن مستويات غير مسبوقة من الفساد، مما جعل الحكم الفعّال مستحيلاً. ولن يؤدي هذا النهج الذي اقترحته الأمم المتحدة إلا إلى إطالة أمد دورة عدم الاستقرار والانقسام التي ابتليت بها البلاد منذ عام 2011.
يتعين على ليبيا أن تضع دستوراً دائماً وشاملاً ليكون الأساس للتغيير الهادف. إن الدستور الذي يجسد العدالة والديمقراطية والوحدة الوطنية أمر بالغ الأهمية لبناء نظام سياسي مستقر. ويجب أن يحظى بقبول جميع المجتمعات الليبية، بما يضمن أن يكون لكل منطقة وقبيلة ومجموعة عرقية – مثل الأمازيغ والتبو والطوارق – صوت في تشكيل مستقبل البلاد. وبدون هذا الإطار القانوني، من المرجح أن تظل أي حكومة جديدة ضعيفة، وعرضة للتدخل الخارجي، وغير قادرة على معالجة القضايا الليبية المتجذرة.
إن الطريق إلى الأمام يجب أن يتضمن حواراً وطنياً شفافاً وشاملاً لصياغة دستور يتفق عليه جميع الليبيين. وبمجرد إقرار هذا الدستور، فإن الانتخابات الحرة والنزيهة ستؤدي إلى تشكيل حكومة أكثر ديمومة وشرعية ومساءلة، تمثل الشعب حقاً.
إن الاعتماد على حلول تقليدية ثبت فشلها من قبل لن يحل الأزمة في ليبيا، بل من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم المشكلات التي تواجهها البلاد. ويجب أن يحدد الليبيون أنفسهم مستقبل ليبيا، بعيداً عن التلاعب الخارجي ونفوذ القوى الأجنبية.
إن الجهود المتسرعة لفرض حلول سياسية سريعة لن تفضي إلا إلى تعزيز نفوذ الجهات الفاعلة الخارجية أو الجماعات المسلحة المتجذرة، وستعيد البلاد إلى حالة الفوضى التي شهدتها عام 2012.