بقلم: ماسينيسا “عمرو” الختالي
هل ينبغي للحكومات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أن تهتم بوجود ونمو هذه الصناديق الاستثمارية المملوكة للحكومة؟ نجد في السنوات الأخيرة أن الكثيرين في العاصمة الأميركية وفي بلدان الإتحاد الأوروبي قد عبّروا عن قلقهم وبدأوا بإبداء اهتمام كبير بأنشطة صناديق الثروة السيادية داخل حدودها.
لقد أجرت المؤسسة الليبية للاستثمار أربعة تغييرات في منصبي رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي منذ عام 2012. وفي الوقت نفسه فقد انشغل مكتب رئيس الوزراء الليبي بأربعة تغييرات وزارية وحكومية خلال هذه الفترة نفسها. إن انعدام الاستمرارية في القيادة وفي الإدارة التنفيذية قد أثارت تحذيرات في العالم المالي وفي الحكومات المعنية على وجه الخصوص بشأن الملكية والشفافية في متابعة الصندوق الذي تبلغ قيمته 67 مليار دولار وفي حوكمته الداخلية.
يشعر نقاد صناديق الثروة السيادية بالقلق من أنه مع استمرار نمو هذا التجمع للأصول في حجمه وأهميته فإنه قد يكون له تأثير على الأمن القومي وعلى أسواقهم الداخلية. كما إن هناك الكثيرين ممن يشعرون بالقلق من أن الغرض من هذه الإستثمارات ليس فقط تحقيق أرباح مالية، ولكن بدلاً من ذلك قد يكون لتأمين السيطرة على الصناعات الإستراتيجية لتحقيق مكاسب سياسية.
وقد يكون الدافع وراء هذا القلق هو حقيقة أن العديد من صناديق الثروة السيادية تفتقر إلى الشفافية في الحجم ومصدر الأموال والأهداف الاستثمارية والسندات والأرصدة الداخلية وربما الأهم من ذلك كله هو الكشف عن العلاقات مع الحيازات في صناديق الأسهم الخاصة.
لم أجد في بحثي أية حالة من النزاعات الكبرى بين الحكومة وصندوق الثروة السيادية على قضايا الاستثمار، ولكن كان هناك العديد من الأمثلة حول البلدان الصغيرة التي لديها فائض من رأس المال والتي تأتي لإنقاذ إقتصادات كبيرة في التاريخ الحديث. وأحد الأمثلة على ذلك هو حقن المليارات من الدولارات في الشركات الأمريكية التي تكافح للبقاء أثناء الأزمة المالية لعام 2007. وقد أشيد بالمستثمرين الأجانب كمنقذين لمصارف كبرى مثل بنك Citigroup وبنك UBS وبنك Morgan Stanley. وفي رأيي الشخصي إن مثل هذه الأعمال من شأنها أن تؤدي إلى توطيد علاقات سياسية أقوى بينهم.
منذ عام 2007 تناولت صناديق الثروة السيادية والقوى العالمية الرئيسية الكثير من هذه المخاوف من خلال اعتماد مبادئ Santiago principals ، ولكن بعض الحكومات اعتمدت البروتوكولات الخاصة بها:
قامت الحكومة الأمريكية بتمرير قانون الإستثمار الأجنبي والأمن القومي لعام 2007 والذي أنشأ مزيداً من التدقيق عند محاولة حكومة أجنبية أو كيان مملوك للحكومة شراء أصول في الولايات المتحدة الأمريكية. وسوف تواجه صناديق الثروة السيادية تحقيقات أكثر تركيزاً عند شراء أكثر من 10% من شركة مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية.
في 5 مارس 2008، عقدت لجنة فرعية مشتركة تابعة للجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأمريكي جلسة استماع لمناقشة دور استثمار الحكومة الأجنبية في الاقتصاد والقطاع المالي الأمريكيين. وحضر الجلسة ممثلون عن وزارة الخزانة الأمريكية ولجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية والمجلس الاحتياطي الاتحادي ووزارة المالية النرويجية والصندوق السنغافوري Temasek Holdings وهيئة الإستثمار لخطة المعاشات التقاعدية في كندا.
في 20 أغسطس 2008، وافقت ألمانيا على قانون يتطلب الحصول على موافقة البرلمان بشأن الإستثمارات الأجنبية التي من شأنها أن تهدد المصالح الوطنية. وبالتحديد فإنه سيؤثر على إستحواذات المستثمرين غير الأوربيين لما يزيد على 25% من الأسهم المتمتعة بحق التصويت في أي شركة ألمانية. ومع ذلك فقد تعهد وزير الاقتصاد Michael Glos بأن إعادة النظر في الإستثمارات ستكون نادرة للغاية. وقد تمت صياغة هذا التشريع وفقاً للقانون الأمريكي للاستثمار الأجنبي والأمن القومي لسنة 2007 ولكن دون التقيد به بشدة.
اجتمع الفريق العامل الدولي لصناديق الثروة السيادية المتآلف من أكبر صناديق ثروة سيادية في العالم، اجتمع أثناء قمة سبتمبر 2008 في سانتياغو بشيلي. واتفقوا في هذه القمة على مدونة سلوك طوعية تمت صياغتها الأولى من قبل صندوق النقد الدولي. وقد تم نشر هذه المجموعة المكونة من 24 مبدأ، والتي يشار إليها الآن باسم مبادئ سانتياغو Santiago Principles، بعد أن قدمت إلى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي بتاريخ 11 أكتوبر 2008. والجدير بالذكر أن مبادئ سانتياغو Santiago Principles طوعية وغير ملزمة.
في يونيو 2008، اعتمد المجلس الوزاري لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECDإطار عمل بين الحكومات وصناديق الثروة السيادية. وسمي هذا الاتفاق بالإعلان. وكما هو حال مبادئ سانتياغو Santiago Principles، فهو إعلان طوعي وغير ملزم.
ترحب العواصم المالية في أنحاء العالم وتحاول قدر الإمكان تسهيل قيام صناديق الثروة السيادية بأعمال داخل حدودها. ولهذا الغرض أنشأت الحكومة الأمريكية هيئة حكومية متعددة الوكالات. فتم إنشاء لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (لجنة الاستثمارات الأجنبية) Committee on Foreign Investment in the United States (CFIUS) لغرض تسهيل الدخول إلي السوق الأمريكية. فتقوم الشركات الراغبة بشراء حصص كبيرة من الشركات الأمريكية بتقديم طلب طوعي للحصول على موافقة وذلك للتأكد من أن هذا الدخول لا ينتهك أية قوانين للأمن القومي. وتدار هذه اللجنة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، ويمكن استشارة الرئيس الأمريكي في هذه الطلبات. وتاريخياً عملت لجنة الإستثمارات الأجنبية بشكل فعال جداً مع الشركات التي تتطلع لدخول السوق الأمريكية.
في عام 2008، حددت الخزانة الأمريكية أربعة مبادئ توجيهية لصناديق الثروة السيادية وهي:
إقرار السياسات بحيث إن قرارات الاستثمار ينبغي أن تستند فقط على أسس اقتصادية وليس على اعتبارات سياسية أو اعتبارات متعلقة بالسياسة الخارجية.
النزاهة المؤسسية من الطراز العالمي بما في ذلك الشفافية بشأن سياسات الاستثمار ونظم قوية لإدارة المخاطر وهياكل الحوكمة والضوابط الداخلية.
المنافسة العادلة مع القطاع الخاص.
احترام نظم البلد المضيف.
في 20 مارس 2008 أصدرت الخزانة الأميركية وحكومتا سنغافورة وأبو ظبي بياناً مشتركاً ترحب فيه بمبادئ السياسة كأساس لأفضل ممارسات صناديق الثروة السيادية مع التركيز على الشفافية والحوكمة. وأصدرت هذه البلدان الثلاثة أيضاً بيان مبادئ للبلدان المستقبلة لاستثمارات صناديق الثروة السيادية.
وفي الوقت نفسه كان الإتحاد الأوروبي كذلك مشغولاً في وضع هيكل عملي لصناديق الثروة السيادية. وبتاريخ 28 فبراير 2008 أصدرت مفوضية الجماعات الأوروبية بياناً بالمعايير المفضلة بشأن الحوكمة والشفافية في صناديق الثروة السيادية.
واتفقت المفوضية على ما يلي:
الحوكمة هي التوزيع والفصل الواضحان للمسؤوليات بين الحكومة وصندوق الثروة السيادية.
سياسة الاستثمار التي تحدد الأهداف العامة لصناديق الثروة السيادية والاستقلالية التشغيلية لتحقيق تلك الأهداف.
الإفصاح العام عن المبادئ التي تحكم العلاقة بين صندوق الثروة السيادية وسلطاته الحكومية.
الحوكمة الداخلية التي توفر ضمان النزاهة والسياسات المناسبة لإدارة المخاطر.
الشفافية: الكشف السنوي عن المناصب الاستثمارية وتوزيع الأصول، والكشف عن استخدام النفوذ وتكوين العملة من الأصول وحجم ومصدر موارد الصندوق. وكذلك الإفصاح التام عن تنظيم البلد ونظرته اللتين تحكمان صندوق الثروة السيادية.
دعت المفوضية إلى أن تفتح بلدان صناديق الثروة السيادية أسواقها لمستثمري الاتحاد الأوروبي من أجل ضمان معاملة عادلة ومنصفة بالنسبة لهم من خلال مفاوضات إتفاقية التجارة الحرة.
يجب علينا أن نضع في اعتبارنا أن كل هذه البيانات هي بمثابة توصيات للمنفعة المشتركة لكلا الجانبين: بلدان صناديق الثروة السيادية والبلدان المتلقية. إن كافة العواصم المالية في أنحاء العالم متحمسة لوجود صناديق الثروة السيادية وتعتبرها مشاركين هامين في النمو الاقتصادي. فبتاريخ 19 أكتوبر 2007 أعلن وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في مجموعة السبعة (G-7) أن “صناديق الثروة السيادية هم مشاركون تتزايد أهميتهم في النظام المالي الدولي ويمكن لاقتصاداتنا الاستفادة من الانفتاح على تدفقات استثمار صناديق الثروة السيادية. ونرى ميزة في تحديد أفضل الممارسات لصناديق الثروة السيادية في مجالاتٍ مثل البنية المؤسسية وإدارة المخاطر والشفافية والمساءلة. أما بالنسبة للذين يتلقون الإستثمارات التي تسيطر عليها الحكومة فنعتقد أنه من المهم البناء على مبادئ مثل عدم التمييز والشفافية والقدرة على التنبؤ”.
في بحثي هذا يبدو أن ثمة قضيتين تبرزان بين الحين والآخر وهي مصدر قلق كبير للحكومات عند التعامل مع صناديق الثروة السيادية: الشفافية والحوكمة الداخلية.
واعتباراً من عام 2015 تُقدَّر قيمة الاستثمارات الإجمالية لصناديق الثروة السيادية بما يزيد على 5 تريليون دولار أمريكي. ومع استمرار هذه الصناديق بالاستثمار في العديد من المناطق المختلفة في أنحاء العالم، سيبرز سؤال هام عن كيفية تنظيم ومراقبة هذه الصناعة على أفضل وجه. أرى أن حكومات العالم، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ستبدأ في العقد القادم بالاهتمام الشديد بتدفق هذا المال من مناطق تفتقر إلى الاستقرار السياسي وهي خارج مجموعة بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. ومع ازدياد خطر الإرهاب، سيكون هناك طلب متزايد على النظر في قضايا مثل غسيل الأموال والدعم المالي للإرهاب والضرائب.
أين استثمرت صناديق الثروة السيادية أموالها في عام 2013؟ تمثل العقارات أغلبية كبيرة من استثمارات صناديق الثروة السيادية. ووفقاً للتقرير نفسه، كانت القطاعات الـ 5 الأولى التي استثمرت فيها صناديق الثروة السيادية هي العقارات في المقدمة بنسبة 27%، ثم القطاع المالي بنسبة 17%، ثم المواد بنسبة 14%، ثم الطاقة بنسبة 10%، ثم المرافق والبنية التحتية بنسبة 8%، أما القطاعات المختلطة الأخرى فكانت بنسبة 24%.
أرى أن العقارات ستستمر في تصدّر القائمة في عام 2015 ولعدة سنوات قادمة.
لقد سبق لي أن نشرتُ هذه الورقة البحثية كجزء من دراسة كبيرة حول صناديق الثروة السيادية في عام 2014. وبسبب أهمية الموضوع في هذه المرحلة فإنني أعيد نشرها بعد إجراء بعض التحديثات بالنظر للمناخ الاقتصادي والسياسي الحالي في ليبيا.